بعد 24 عاماً جفت فيها دموع الفرح أعين الأرجنتينيين.. هاهي البهجة المونديالية تغزو شوارع بيونس أيرس مجدّداً، من قلب البرازيل، وعبر جسر هولندي أخفق في الثأر "كروياً" للقب 1978.
نجح المنتخب الأرجنتيني في خطف
البطاقة الثانية في حفل ختام مونديال البرازيل عقب فوزه على نظيره الهولندي
اليوم الأربعاء بركلات الترجيح (4-2) عقب انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي
للمباراة بالتعادل السلبي (0-0).
وتمكّن زملاء ليونيل ميسي من
حسم مكانهم في موقعة نصف النهائي على أرض ساو باولو لخامس مرة في تاريخهم،
كما أنّه لم يسبق لهم أن أخفقوا في مثل هذه المرحلة (خاض 5 مباريات وتأهل 5
مرات).
سيواجه منتخب "التانغو" في
المباراة النهائية التي ستحتضنها "درّة ماراكانا" في ريو دي جانيرو، نظيره
الألماني الذي سبقه بعد الفوز الساحق والتاريخي على صاحب الأرض البرازيل
بنتيجة (7-1) أمس الثلاثاء.
نهائي نسخة 2014 بين
الأرجنتينيين والألمان ليس الأول من نوعه على مستوى المباريات النهائية في
المونديال، حيث سبق للمنتخبين أن لعبا نهائي مونديال 1986 بالمكسيك، حين
تُوّجت الأرجنتين باللقب بعد الفوز (3-2)، قبل أن يثأر زملاء "القائد"
لوثار ماتيوس في مونديال إيطاليا 1990 بالفوز (1-0).
لمسة وفاء للسهم الأشقر

بحرارة غير مرتفعة بلغت 15 درجة
ورطوبة بنسبة 79% وجو غائم جزئياً في ساو باولو، كان ملائماً للتعبير عن
أحاسيس من الحزن والتعاطف والأسى لا سيما من جانب الأرجنتينيين الذين لبسوا
الشارة السوداء ووقفوا صحبة نظرائهم الهولنديين دقيقة صمت ترحّماً على روح
فقيد الكرة العالمية ونجم ريال مدريد الإسباني ومنتخبات الأرجنتين
وكولومبيا وإسبانيا، ألفريدو دي ستيفانو أحد العلامات البارزة في تاريخ
المستديرة عن عمر 88 عاماً، حيث فارق الحياة الإثنين الماضي بعد إصابته
بسكتة قلبية الذي دخل إثرها في غيبوبة كانت "أبدية".
عنوان أوّلي بكفّة أرجنتينية راجحة

استهلّ صدام العراقة والتاريخ
والذكريات بين أحد أكبر عمالقة العالم في كوكب الكرة على أرض "ساو باولو"
بأرجحية أرجنتينية بدت واضحة طيلة الدقائق العشرين الأولى، حيث اتّسم مردود
الأرجنتينيين بالكثير من الحماسة والاندفاع معتمدين في ذلك خطة تحفّز على
الذهاب أكثر باتجاه الخط الأمامي (4-3-3)، مقابل تفضيل الهولنديين لخيار
التهدئة الذي اعتمدوه طيلة المواجهات السابقة في هذا المونديال بارتكازهم
أساساً على خطة دفاعية محكمة (5-3-2) وتهدف لاستغلال الهجمات المرتدّة
الخاطفة بالاعتماد قطعاً على "الصاروخ" أريين روبن.
وعلى الرغم من أنّ البداية
الفعلية في خانة الفرص كانت هولندية الهوية بقدم صانع الألعاب ويسلي
سنايدر، الذي استغلّ تشتيتاً عبثياً للكرة من خافيير ماسكيرانو قبل أن يطلق
تسديدة من على مشارف منطقة الجزاء لم تشكّل اية خطورة على عرين الحارس
سيرخيو روميرو (12)، فإنّه بالمقابل احتكرت الأرجنتين عنوان الفرصة الأبرز
والأخطر خلال الدقائق الأولى، وذلك إثر عمل ثنائي منسّق بين غونزالو
هيغوايين وبيريز، الذي اخترق الدفاع الهولندي قبل أن تتمّ عرقلته في مكان
مناسب، حاول استثمار ليونيل ميسي عبر ركلة حرة قوية ولكن الحارس الهولندي
سيليسن كان في المكان المناسب لإحباطها (15).
من جهة أخرى، لم تبرز أية مظاهر
تأثّر في الصفوف الأرجنتينية بغياب أحد نجوم البطولة أنخيل دي ماريا، الذي
تعرّض لإصابة في مباراة الدور ثمن النهائي أمام بلجيكا والذي لعب فيها دور
البطولة بإحرازه هدف العبور والخلاص في الدقيقة قبل الأخيرة من الحصة
الإضافية الثانية، ونجح معوّضه بيريز في لعب دور ذكي ساهم فيه بنسبة محترمة
في إقلاق راحة الدفاع الهولندي، الذي ارتكب عليه أكثر من خطأ.
استفاقة هولندية وصدام يستعيد طعم الندية

زالت الأفضلية الأرجنتينية
الواضحة وسجّل النظير الهولندي استفاقة، سمحت للمباراة بأن تكتسب الندية
مجدّداً فأصبحت منطقة وسط الميدان قطب الرّحى بين نجوم الفريقين، وأصبحت
أسلحة الفريقين أكثر بروزاً على الرغم من ضيق المساحات وازدياد منسوب
الاندفاع في الجهتين.
منتخب أليخاندرو سابيلا، حافظ
على مردوده المنتعش الذي ميّزه طيلة هذا الشوط الأول وحاول أن "يطعن" مرمى
روميرو برأسية مدافع بنفيكا البرتغالي إيزيكيل غاراي، الذي ابتعدت كرته فوق
المرمى (24)، قبل أن يردّ زملاء القائد روبن فان بيرسي، عبر عرضيتين
خطيرتين من قدم سنايدر اضطرّتا سيرخيو روميرو لإنجاد دفاعه المرتبك للردّ
على الصحوة البرتقالية (31).
هاتان الفرصتان كانتا أبرز ما
يمكن ذكره في ملخّص نهاية هذا الشوط، الذي حفل بالندية على خلاف ما استهلّ
عليه، والمعلومة الجديرة بالذكر هو أنّ المنتخب الهولندي نجح في تكريس
عادته الحميدة الذي دأب عليها في نسخة البرازيل ألا وهي عدم قبوله لأهداف
في شوط المباراة الأول (باستثناء مباراة إسبانيا) قبل تحقيق الانتفاضة في
الشوط الثاني.
منسوب التسرّع يرتفع وهدف "الفرج" يتأخّر

على الرغم من أنّ تاريخ
الصدامات الثنائية بين القوتين العظيمتين في عالم الكرة تؤشّر إلى أسبقية
هولندية، حيث سجّل أحفاد الساحر يوهان كرويف 4 حالات فوز و3 تعادلات وخسارة
وحيدة على مجموع 8 لقاءات جمعتها مع الأرجنتينيين، غير أنّ سيليلي
الـ"بيبي دي أورو" دييغو أرماندو مارادونا، قلبوا الطاولة في الشوط الأول
مسجّلين أفضلية على مستوى أغلب ردهات الشوط الأول، وتمتّعوا بعزيمة وإصرار
كبيرين لم يسعف شغفهم لتدوين هدف الخلاص الافتتاحي، الذي يعدّ – إن كتب له –
السابع لبلاد التانغو في مرمى الطواحين، مقابل 13 إصابة دوّنتها الأخيرة
في مرمى خصمتها.
النصف الثاني من حوار
"البرتقالي" و"الألبيسيليستي" كان على مثيل سابقه من حيث الندية بيد أنّه
حاد عنه على مستوى العرض الفنّي الذي كان باهتاً في أغلب فترات هذا الشوط
الثاني، التي هيمن عليها التدخّلات العنيفة بل واصطبغ أداء المنتخبين
بالكثير من التخوّف والتردّد لا سيما مع مرور الوقت، حيث يبدو التعويض
صعباً في حال قبول هدف من هذه الجهة أو تلك، كما أنّ الصراع التكتيكي كان
طاغياً بين سابيلا وفان غال، اللذين أحكما قراءة نقاط القوّة والضعف في كلّ
خصم ولكن دون استثمار هذه القراءة.
وعلى الرغم من قيام مدربي
المنتخبين بجملة من التحويرات على أمل تغيير واقع النتيجة ولكن دون جدوى،
إذ زجّ لويس فان غال منذ بداية هذا الشوط بيانمات، الذي حلّ بديلاً لبرونو
مارتينس إيندي، وكلاسي مكان نايجل دي يونغ (62)، في حين بادر سابيلا بإخراج
الثنائي إنزو بيريث وغونزالو هيغوايين ليحلّ مكانهما توالياً زميلهما
رودريغو بالاسيو نجم إنتر ميلان الإيطالي وسيرخيو أغويرو محترف مانشستر
سيتي الإنكليزي (81).
على الرغم من جميع التغييرات
التي حصلت لا شيء تغيّر بل لن نبالغ إذا قلنا أنّ هذا الشوط كان فقيراً،
ولم ينعم بفرص خطيرة عدا اثنتين اقتسمهما المنتخبان معادلة، حيث كان
التهديد الهولندي ببصمة فان بيرسي، الذي تلقّى عرضية متقنة من يانمات
وقابلها بازدواجية غير متقنة كانت مسبوقة بتسلل غير معلن من الحكم التركي
كونيت شاكير (74)، بينما كان الردّ الأرجنتيني أكثر قوّة وكان بالإمكان أن
يكون حاسماً لولا إخفاق هيغوايين في تجسيم تمريرة قطرية على طبق ذهبي
أرسلها إنزو بيريث (75).
أريين يرفض طعنة التسعين

استغرقت المباراة في حالة من
النشاز المطوّل مع غياب اللوحات الفنيات الجميلة وخصوصاً الخطيرة التي
تهدّد مرمى الفريقين، لذلك كان من غير المتوقّع نظراً إلى ما سبق من دقائق
أن تأتي الدقيقة التسعين بفرصة قاتلة للمواجهة، ولكنّها أتت من عمل هجومي
هولندي منظّم قام فيه سنايدر بلمسة تمهيدية ماكرة بكعب ساقه، مهدياً روبن
فرصة الانفراد الصريح بالحارس روميرو لاول مرة في اللقاء، ولكن تدخّل
ماسكيرانو الحاسم في الوقت الميّت، جعل كرة الطوربيد البافاري تتدحرج إلى
خارج المرمى.
الحصة الإضافية الأولى: اقتراب ولكن..
مشوار الحصة الإضافية الأولى
التي كان زمنها متسارعاً على قلّة أحداثها، حيث اقتسم المنتخبان كفّة
التعادل مجدّداً حتى على مستوى الفرص المهدورة، حيث بادر أريين روبن بخوض
غارة سريعة ناور فيها بيليا قبل أن يسدّد بقوة في أحضان "الرصين" روميرو
(99)، بدورها لم تقف الأرجنتين مكتوفة الأيدي وكادت أن تطلق رصاصة الرحمة
في وقت مثير، لولا فشل أغويرو في متابعة العرضية الذكية لبالاسيو قبل تدخّل
الدفاع الهولندي (104).
اجتهادات المنتخبين لم تفضِ لأي
جديد وبدا غول ركلات الحظ يدنو شيئاً فشيئاً وأقرب من اي سيناريو آخر
للحكم في هوية المنتقل إلى حفل الختام على أرض الـ"ماراكانا" في مواجهة
"ماكينات" يواخيم لوف.
الحصة الإضافية الثانية: الأرجنتين تعيد هدية روبن وترفض التأهل

شهدت الحصة الإضافية الثانية ما
لم تشهده ساعتان إلا ربع في هذا الصدام الحامي، حيث رفعت شعار "ممنوع على
أصحاب القلوب الضعيفة"، وعلى الرغم من حالة الإرهاق البدني الشديد التي شعر
بها المنتخبان في هذه الفترة جرّاء خوضهما لـ120 دقيقة سابقة لكلّ منهما
(هولندا أمام كوستاريكا والأرجنتين أمام سويسرا)، فإن المنتخبين واصلا
الركض والاجتهاد لكسر حاجز التعادل، ولئن فشلت "الطواحين" في وصول إلى
مبتغاها فإنّ "الألبيسيليستي" كان أقرب أكثر من حجز بطاقة التأهل، عبر
فرصتين ثمينتين، أولاها من رأسية ضاعت بكيفية عجيبة لبالاسيو (114)
والثانية أهدرها ماكسي رودريغيز، الذي سدّد كرة ضعيفة رغم موقعه المناسب،
وبالتالي فشل في استثمار المجهود الكبير لميسي (118)، لتذهب المباراة إلى
القاضي "ركلات الحظ" لحسم الموقعة.
ركلات الترجيح: هل دفع "البرتقالي" ثمن عدم إقحام تيم كرول وإبداع روميرو؟

في سيناريو مخالف لموقعة ربع
النهائي أمام كوستاريكا التي حسمها الحارس البديل تيم كرول بعد دخوله مكان
سيليسن في آخر دقيقة من الحصة الإضافية الثانية، لم يحصل هذا التغيير من
قبل فان غال في هذه المواجهة بسبب استهلاكه لتغييراته الثلاثة في دقائق
المباراة الـ120، ولكن يبقى السؤال هل كان كرول سيكون حاسماً مرة أخرى وهل
ظلم فان غال منتخب "الطواحين" بالإبقاء على سيليسن؟

بالمقابل أبدع الحارس
الأرجنتيني سيرخيو روميرو في صدّ ركلات مميّزة زفّ بها فريقه إلى النهائي
الحلم، وأثبت أنّ مكانه كبديل في موناكو الفرنسي ليس إشارة إطلاقاً على
تدنّي المستوى.
فيما يلي القائمة النهائية لمنفّذي ركلات الجزاء:
هولندا: رون فلار يخفق – أريين روبن يسجّل – ويسلي سنايدر يخفق.
الأرجنتين: ليونيل ميسي يسجّل – إيزيكيل غاراي يسجّل – سيرجيو أغويرو يسجّل – ماكسي رودريغيز يسجّل.
أرشيف تعوّد الحضور
عند الحديث عن صدام الكبيرين
الهولندي والأرجنتيني من غير الممكن عدم التطرّق لنهائي مونديال 1978 حين
خرجت الأرجنتين فائزة بعد التمديد بثلاثة أهداف لماريو كامبيس (هدفين)
ودانييل بيرتوني، مقابل هدف هولندي لديك نانينغا.
لقد توقفت مسيرة "البرتقالي"
عند حاجز النهائي دون أن تفلح في التتويج في ثلاث مناسبات، فخسرت أمام
مضيفتها ألمانيا الغربية (1-2) في زمن الرائع يوهان كرويف عام 1974، ثم
النهائي التالي على أرض الأرجنتين ، قبل أن تتخطّى البرازيل في ربع نهائي
النسخة الماضية وتقهرها إسبانيا في الدقائق الأخيرة من نهائي 2010.
المعلومة المُلفتة في مواجهات
المنتخبين أنّ نصف مواجهاتهما كانت في كأس العالم، في نهائيات 1974 فازت
هولندا 4-0 بالدور الثاني، نهائيات 1978 فازت الأرجنتين في النهائي 3-1،
نهائيات 1998 فازت هولندا 2-1 في ربع النهائي، نهائيات ألمانيا تعادلا 0-0
في دور المجموعات.
الصدام بحديث الأرقام
رغم أنّ هولندا تمكنت من تحقيق
ثأرها عام 1998 بفوزها على الأرجنتين (2-1) في الدور ربع النهائي، لكنهم
فشلوا في ردّ دين عمره 36 سنة منذ مونديال 1978.
الأرجنتين توجد في دور الأربعة للمرة الأولى منذ 1990.
على الرغم من خروجه، فإنّ
المنتخب الهولندي لم يتعوّد الفشل أمام الفرق اللاتينية في المونديال، حيث
خاض 12 مواجهة لم يخسر سوى في مناسبتين أمام كل من الأرجنتين في مونديال
1978، والبرازيل في ربع نهاني مونديال 1994 بالولايات المتحدة الأميركية.
الأرجنتين لم تتذوّق حلاوة
الشباك الهولندية منذ آذار/مارس 1999 أي منذ 15 عاماً وكان آخر هدف في هذا
التاريخ من توقيع المهاجم السابق والرائع غابرييل عمر باتيستوتا الملقّب
بـ"باتيغول".
احتكر المنتخب الهولندي أفضل
رقم لعدد التمريرات في مباراة واحدة منذ مونديال 1966 بإنكلترا، بمعدّل 692
تمريرة في مواجهة كوستاريكا الماضية.
فشل ويسلي سنايدر صانع الألعاب
الهولندي ومحترف غلطة سراي التركي في بلوغ هدفه المونديالي السابع وبالتالي
لم يتمكّن من تحطيم رقم جوني ريب صاحب الأهداف السبعة.
نختم هذه القراءة الإحصائية
برقم من نصيب النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، الذي لم يلمس أية كرة داخل
منطقة جزاء الخصم في 120 دقيقة كاملة لعبها، كما أنّه فشل في زيادة عدد
أهدافه، الذي توقّف عدّاده عند 4 أهداف وتمريرة حاسمة، ويواصل ميسي حصد
الأرقام القياسية، حيث حطّم وعادل 135 رقماً قياسياً في مسيرته حتى الآن.
0 التعليقات :
إرسال تعليق